لي مع السفر حكاية، فدائما ما تكون خططي مرتبطة بالآخرين ولا احب السفر وحيداً، لذلك يكون الترتيب للسفر سريعاً ومفاجِئً وهو ماحدث في هذه الرحلة، حيث قررنا أنا و صديقي عبدالله الدوسري السفر لمدة ١٠ أيام خلال شهر مايو الماضي، ووقع الإختيار على الشمال الإيطالي بسبب سهولة الوصول إليه من الطرفين (أنا في الرياض وهو في أمستردام)، وبسبب مناسبة الأجواء خلال تلك الفترة للزيارة.
أخترت أن أعنون هذه التدوينة بالعبارة الإيطالية الشهيرة La bella vita والتي تعني الحياة الجميلة، وهي تصف فعلاً جمال وروعة هذا البلد الجميل، والفوضوي الذي تزيده الفوضى جمالاً يبعده عن رتابة الصفوف والنظام في بقية الدول الأوروبية التي زرتها.
كان التخطيط سريعاً -حرفياً خلال يومين- قمت بحجز الطيران عبر الإماراتية وأخترنا زيارة ٣ مدن رئيسية والمرور على ٤ مدن أخرى خلال جولتنا بالسيارة، بدأت الرحلة من فرينزي عاصمة إقليم توسكاني وأنتهت في ميلان ثاني أكبر مدن إيطاليا وعاصمة إقليم لومباردي.
عادة ما أنصح بإستخدام موقع Airbnb.com في حجوزاتك في السفر حيث يوفر الموقع إمكانية استئجار شقق سكنية من أصحابها مباشرة، لكن التنسيق الذي تحتاج إليه للحجز يتطلب وقتاً أطول فأضطررنا للفنادق عبر Booking.com و Agoda.com.
-
السفر:
عبر طائرة الإماراتية EK 201 توجهت من دبي “من مطارها الذي أكرهه جداً” إلى مطار مالبينسا في ميلان حيث وصلت هناك في صباح الثالث والعشرين من مايو، قبيل وصول عبدالله من أمستردام بتقريباً ساعتين، أنهيت إجراءات الدخول بسهولة وأتجهت مباشرة لشركة Avis لإستلام السيارة التي قمنا بحجزها مسبقاً وإختيار السيارة بالتفصيل.
ما لم أعرفه أن اختيارك للسيارة وحجزها عبر الإنترنت لا يعني حصولك عليها -تحديداً- وإنما ستحصل على نفس ما أخترت في -حالة توفرها- أو على سيارة مشابهة في الفئة التي قمت بحجزها، فما حجزناه كانت آودي من الحجم المتوسط وماحصلنا عليه كانت مرسيدس من نفس الفئة !
كنا قد خططنا أن يكون مسار الرحلة يبدأ من فلورينس و ينتهي بميلان مروراً بريتشوني وفينيس.
كنت أملك ما يقارب الساعة والنصف لحين وصول عبدالله أستغليتها في التجول حول المطار مع أنغام أغنية “ياموقد النار” لطلال، في بداية الأمر حاولت البحث عن أقرب مكان تتوفر فيه القهوة بإستخدام Foursquare توصلت إلى مقهى صغير في قرية Cardano Al Campo التي كانت الأقرب بالنسبة لي من ميلان البعيدة.
من الأشياء الملفتة للنظر وقتها أن الإيطاليين يشربون القهوة “ع الماشي”، فكنت أقف وأمامي شخصين وكنت أحاول فهم طريقة عمل المقهى ولكن كل ما سمعته من الزبائن كان “Uno Espresso” ويخرج من الصف ليقف على الطاولة الجانبية، بعدها تبدأ زوجة صاحب المقهى في تجهيز كوب الإسبريسو مع كأس من الماء بجانبة، يشربه الزبون في رشفتين ويضع 2 يورو ويمشي ببساطة !
شخصياً كنت أبحث عن “برميل” من القهوة، فكنت وقتها قد أستهلكت طاقتي في السفر من الرياض إلى ميلان، ولم أستطع النوم في الطائرة ولدي مشوار يتجاوز الثلاث ساعات إلى فلورينس أولى محطاتنا في الرحلة، فلما جاء دوري حاولت أن أتفاهم بالإنجليزية ولكن لا حياة لمن تنادي، الإيطاليين بينهم وبين اللغة الإنجليزية عداوة فيما يبدو لي ولا تجد من يتحدث بها الا في المدن السياحية.
حاولت تقريب وتقليد اللغة حتى إستطعت إفهامه بالطلب، كل ما كنت أبحث عنه هو أكبر حجم من القهوة الأمريكية -تيك آوي- الذي كان هو الآخر مصيبة، فلا يوجد لديه أكواب ورقية! ولم يتعوّد على تقديمها بهذا الشكل.
أخيراً، حصلت على دبل شوت إسبريسو مع الماء الساخن في كأس بلاستيكي والحمدلله، الخلاصة كانت هذه القهوة الألذ في حياتي، أو أن حاجتي لها ذلك الوقت حسستني بهالشيء !
-
فرينزي:
بعد وصول عبدالله إتجهنا مباشرة إلى فلورينس -أو فرينزي بالإيطالية- تاركين ميلان القريبة لتكون المحطة الأخيرة التي سنسافر منها للرياض، المسافة من ميلان في الشمال إلى فلورينس في وسط البلاد تتجاوز 300 كم وستحتاج إلى ما يقارب الثلاث ساعات ونصف لقطعها ولكن الطريق ممتع جداً والخضرة ستكون رفيقك، وأنغام ماجدة الرومي وأم كلثوم وطلال ستنسيك المسافة لذا لا تحاول أبداً المقارنة مع طريق الرياض – الشرقية، إن كنت فاعلاً ياصديقي.
كنَا قد حجزنا في فندق Castello Rosa الذي كانت صوره في الموقع لطيفة ومناسبة، لكن المصيبة أننا احتجنا لأكثر من نصف ساعة للوصول إلى الفندق، بالرغم من اننا في المنطقة الصحيحة وعلى نفس الشارع، توقعنا أن نجد مبنى كبير وعلامات تشير لفندق 4 نجوم، لكن ماوجدناه كان -حرفياً- شقة من 4 غرف في عمارة فيها خمسة فنادق أخرى مشابهة لنفس الفكرة !
بعد الإستراحة لفترة بسيطة، قمنا بالتجول حول الفندق الذي يقع في مكان مناسب قريب من النهر ومن وسط المدينة، ستلمح الجمال والفن في كل ناحية من أنحاء هذه المدينة بداية بلمسات الفنان العظيم مايكلآنجلو الذي عاش فيها فترة طويلة ومرورا بلمسات ليوناردو دي فينشي و بوتشيلي وغيرهم.
من أكثر الأشياء التي ستلاحظها في فلورينس هو كثرة الساحات فيها، بمجرد تجوّلك في المدينة لمدة ساعة يكفيك للمرور على أكثر من واحدة، وفيها تتجمع العروض والناس والمطاعم مما يجعل المدينة مناسبة جداً للمشي و المفاجآت فيها لا تنتهي.
قطعنا مسافة طويلة إلى حيث وجهتنا نهر آرنو الذي لا يبعد كثيراً عن الفندق والوقت يقارب غروب الشمس، مروراً بـبيازا ديل دومو (Piazza Del Duomo) الشهيرة بكاثدرائية فلورينس (Santa Maria del Fiore) كنّا نسير مسرعين دون الحرص على مشاهدة كل شيء، يقودنا الجوع للوصول لأي مطعم كان.
بنصيحة من أحد الأصدقاء ومساعدة من FourSquare إخترنا أن يكون العشاء في مطعم Golden View Open Bar المطل على نهر آرنو وجسر بونتي فيكيو (اPonte Vecchio) المبني في العصور الوسطى والشهير بألوانه ومحلاته التي مازالت تعمل حتى الآن.
تعشينا والحمدلله -كان لذيذ جداً بصراحه- أكملنا جولتنا عائدين للفندق قبل أن تغرب الشمس تماماً.
خلال ذلك مررنا بـ بيازا ديّلا سينيوريّا (Piazza della Signoria) وهي واحدة من أشهر ساحات فلورينس، وتعتبر واحدة من أكثر الأماكن التي تجتمع فيها التماثيل الفنيّة في العالم، يتوسطها تمثال كوزيمو الأول راكباً خيله، وعلى أطرافها النسخة التقليد لتمثال مايكل أنجلو الشهير ديفيد، والمتحف المفتوح المشهور، منطقة جميلة جداً للتجوّل والأكل.
على جانب من الديّلا سينيوريا يقع المبنى الرئيسي لمدينة فلورينس، الـ Palazzo Vecchio وهو مبنى تاريخي تم إفتتاحه في عام 1299م (يعني قبل دخول الملك عبدالعزيز للرياض بـ 603 سنة، للمعلومية بس) يجاوره متحف مفتوح في الهواء الطلق ستجد فيه عروض مختلفة كل مرة.
عدنا إلى الفندق -الشقة- تلك الليلة وكلي ثقة أن الجمال ينبع من هذه المدينة، وكل زاوية فيها تحكي الكثير من التفاصيل، جمال فلورينس مبهر بحق.
بدأ يومنا الثاني في فلورينس بالقهوة، القهوة هي كل الصباح في الرياض، فحدثني عنها في فلورينس، “تفنجلنا” على رصيف صغير بين أزقة فلورينس، و أتفقنا على أن تكون بدايتنا اليوم مع باصات Hop On, Hop Off التي أفضلها في بداية كل رحلة لأتعرف ببساطة على جميع المناطق التي تستحق الزيارة وأقوم بترتيب جدولي بناءاً على ذلك، بدأت الجولة حول فلورينس، بداية بنهر آرنو وصعوداً إلى Piazzale Michelangelo المبهرة.
أستطيع أن أضع فلورينس بكاملها بجانب، و هذه الساحة بجانب آخر تماماً حيث أن الإطلالة من فوقها لا تقاس بثمن، المكان والإطلالة البانورامية التي تحظى بها هذه الساحة تكفي كل شيء، تأكد من مرورك بهذه المنطقة إن كنت في فلورينس يوماً ما.
عدنا مباشرة إلى وسط فلورينس، وأخترنا أن يكون الغداء في مطعم SE.STO المميز على ضفاف النهر وفي قمة أحد فنادقها، الأكل جميل لكن الممتع حقاً الجلوس والإستمتاع بالإطلالة الجميلة على النهر التي ستحظى بها.
يوجد الكثير لأذكر عن فلورينس، لكن كل ما أتذكرّه أن فلورينس جميلة فقط، ودون أي تبريرات بصراحه، تجوّل فيها إستمتع بعروض الشوارع، وأستنشق الهواء النظيف على جال نهرها، البلدة بأكملها تنطق عشقاً.
-
الطريق إلى الشرق مروراً بالغرب:
عادي، أحس عنوان الفقرة بايخ لكن أعجبني :)، تجهزنا للسفر إلى ريتشوني لإكمال رحلتنا ولكن ببعض الحسابات تأكدت من أن المسافة بين فلورينس (في الوسط) وريتشوني التي تقبع على الساحل الشرقي تقارب الـ 230 كم فقررت أن أضيف بعض “المشاوير” على الطريق.
كانت الخطة أن نزور بيزا -من أجل برجها المائل- ومن ثم نستمتع بالبحر -والغداء- في فورتي دي مارمي القريبة من بيزا ومن ثم نتجه مباشرة إلى ريتشوني عبر الجبال لنزيد من متعة الطريق أكثر مما أضاف 200 كم على المسافة التي نريد قطعها، وهي بسيطة لمن إعتاد زيارة البحرين من الرياض :).
إتجهنا بعد دفع مبلغ -زيادة عن اللزوم- لموقف السيارة في فلورينس إلى بيزا حيث اقتصرنا زيارتها على رؤية برج بيزا المائل الشهير، فتوقفنا لما يقارب الساعة وأخذ بعض الصور -والبَرَد- وغادرنا المكان متجهين إلى فورتي دي مارمي للغداء هناك.
بلدة فورتي دي مارمي هي مصيف تجار فلورينس وميلان، مدينة صغيرة على الساحل الغربي لإيطاليا بعدد سكان محدود يقارب الـ 7000 شخص يصل إلى ٣ أضعاف العدد خلال فترة الصيف بسبب السياح القادمين من مدينتي ميلان و فلورينس وبعض الدول الأوروبية القريبة.
البلد بسيط جداً ولا يوجد شيء يستحق الذكر، تذكرني كثيراً بالمدن الصغيرة القريبة من مالقا في الأندلس كدينكون ديلا فيكتوريا وتوري ديل مار حيث تصطف المنازل مقابل الشاطيء ويفصلها عنه مطاعم صغيرة، لكن زيارتها كانت من باب التغيير والإستمتاع بالغداء -اللي ما خيّب ظني والحمدلله- على شاطيء البحر بدلاً من محطات البنزين في طريق سفرنا.
لياقتي للكتابة لاتسعفني، فسأتوقف هاهنا وسأكمل رحلتنا في جزء ثاني يغطي بقية الأيام بإذن الله.
كلام كبير ….. تحمست اكتب
تدوينة موفقة
جميل جميل جميل ،،أبهرني اسلوبك السلس بالكتابة و التوصيف
و الأجمل الصور ❤️
شكرا لك ما اجمل الدنيا والسفر والجنة أجمل