كنت وحيداً يا جدتي ، أعود بذلك القطار إلى لندن لأعجل بإنهاء إقامتي للعودة إليك ، فقد كنتُ أخطط أن أجعل زيارتك أول محطات عودتي ، كنت وحيداً ياجدتي ، و أنتِ التي كنت تشغلين بالي قبل ذلك بليلة واحدة ، و كنت متوجساً من حدوث أمر ما ولا أعلم لماذا ، حتى جائني اتصال والدي الذي ما أن رأيت اسمه إلا وعلمت أنكِ قد رحلتي.

حادثته ، و سأل عن أخباري وقال بسرعه الخبر ، عندها لم أعلم ماذا أفعل ، أيفترض بي البكاء ! أم يجب أن أكون قوياً وأنا بين هؤلاء ؟ لا أعلم ، أغلقت الهاتف ، و جلست صامتاً لدقائق أصارع فيها عبرة أحاول أن لاتخرج ، صارعتها بشدة ، حتى خسرت و تداريت عنهم ، و بكيت.

بكيت و أختبأت و عشت وقتها في وحدة ، لم أعد أشعر بمن هم حولي ، أخفيت رأسي وبكيت أتوسد شنطتي و صورتك وأنت في سريرك تنازعين ضيق التنفس لتتنفسي ، وتتشبثي بالحياة رغم صوت حشرجة صدرك ، لا تفارقني.

أدرك بأنني كنتُ مقصراً معك في آخر أيامك ، فحتى وأنتِ لا تشعرين بما حولك ، كنتُ متأكداً بأنكِ تحسين بي وأنت في سريرك ، تشعرين بي عندما أقبل يديك التي شوٍهَ جمالها بالأسلاك ، و كنت أعرف عندما أسرق الوقت لأتحدث إليك قبل أن يدخل أحد بأنك تسمعين ما أقول بل وتفهمينه أيضاً.

كنت عندها أريدك أن تعودي لي ، ونعود للحديث و تسئليني كل مرة ( من أنت ؟ ) و أخبرك ، وتعودين بعدها تستطلعين أخبار أبنائي و تلوميني لأنني لم أجلبهم لزيارتك ، رغم أن أمهم ياجدتي لم تأتِ بعد !

كنت لا ألومك ، بل ألوم الزهايمر الذي تسلل إلى ذاكرتك ، كانت أحاديثك رغم ضعف ذاكرتك حلوى أستطعمها كل مرة ، و أعيد تكرارها كل مرة أزورك فيها ، كل مرة آتي للسلام عليك و أنت على كرسيك البسيط ، و سجادتك التي أتعبتها صلواتك ، أعيد الكلام ، و أسئلك نفس الأسئلة وتناقشيني في نفس الأمر.

كم سأشتاق لك ، وسأشتاق لما تخرجينه من عباءتك العامرة ، كل تلك الحلوى ، و كل تلك الهدايا ، التي اعتدت توزيعها على كل من يسلم عليك ، سأشتاق لقهوة المغرب التي تحلو بوجودك ، سأشتاق ياجدتي لتلك الخيمة التي ستبكي كثيراً لفراقك ، و سأشتاق لكل شيء ، حتى اهتزاز يدك الطاهرة التي اعتدت رؤيتها ، و رائحة العود التي تفوح منك ، و ابتسامتك وسؤالك ، وكل دعاءك الذي تمطرينا به في كل مرة ، سأشتاق ياجدتي لكل لحظة ، و كل شي كنتِ جزءاً منه.

أعدك ياجدتي ، أن أخبر أبنائي بأن جدتهم سئلت عنهم كثيراً ، حتى قبل أن تراهم ، و سأحكي لهم كثيراً عنكِ.

رحمك الله ياجدتي ، و كما حُرمت رؤيتك قبل وفاتك ، سألقاك وأمتع ناظري بكِ إن شاء الله في الفردوس الأعلى.

اللهم أبدل جدتي نورة الدخيل داراً خير من دارها ، و أهلاً خيراً من أهلها ، وأدخلها الجنة و أعذها من عذاب القبر ومن عذاب النار.

اللهم عاملها بما أنت أهله ، ولا تعاملها بما هي أهله ، اللهم أجزها عن الإحسان إحسانا ، و عن الإساءة عفواً وغفراناً.

اللهم إن كانت محسنة فزدها من حسناتها ، و إن كانت مسيئة فتجاوز عن سيئاتها ، اللهم أدخلها الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب ، اللهم آنسها في وحدتها و في وحشتها وغربتها ، اللهم أنزلها منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ، اللهم أنزلها منازل الصديقين والشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم أجعل قبرها روضة من رياض الجنة ، ولا تجعلة حفرة من حفر النار ، اللهم أفسح لها في قبرها مد بصرها وأفرش قبرها من فراش الجنة و أعذها من عذاب القبر و جافِ الأرض عن جنبيها.

اللهم أملأ قبرها بالرضا و النور والفسحة والسرور وتغمدها بواسع رحمتك ومغفرتك وأسكنها فسيح جناتك.

عبدالله

1 أكتوبر 2010 – لندن